فصل: تفسير الآيات (32- 33):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (28):

{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)}
{لِيَشْهَدُوا} ليحضروا، {مَنَافِعَ لَهُمْ} قال سعيد بن المسيب، ومحمد بن علي الباقر: العفو والمغفرة. وقال سعيد بن جبير: التجارة، وهي رواية ابن زيد عن ابن عباس، قال: الأسواق. وقال مجاهد: التجارة وما يرضى الله به من أمر الدنيا والآخرة. {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} يعني عشر ذي الحجة في قول أكثر المفسرين. قيل لها {معلومات} للحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها. ويروى عن علي رضي الله عنه: أنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وفي رواية عطاء عن ابن عباس أنها يوم عرفة والنحر وأيام التشريق. وقال مقاتل: المعلومات أيام التشريق. {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ} يعني: الهدايا، والضحايا، تكون من النعم، وهي الإبل والبقر والغنم.
واختار الزجاج أن الأيام المعلومات: يوم النحر وأيام التشريق، لأن الذكر على بهيمة الأنعام يدل على التسمية على نحرها، ونحر الهدايا يكون في هذه الأيام. {فَكُلُوا مِنْهَا} أمر إباحة وليس بواجب، وإنما قال ذلك لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئا، واتفق العلماء على أن الهدي إذا كان تطوعا يجوز للمهدي أن يأكل منه وكذلك أضحية التطوع لما:
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري، أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني، أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا إسماعيل بن جعفر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال في قصة حجة الوداع: وقدم علي ببدن من اليمن وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فنحر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين بدنة بيده ونحر علي ما بقي، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤخذ بضعة من كل بدنة فتجعل في قدر، فأكلا من لحمها وحسيا من مرقها.
واختلفوا في الهدي الواجب بالشرع هل يجوز للمهدي أن يأكل منه شيئا؟ مثل دم التمتع والقران والدم الواجب بإفساد الحج وفواته وجزاء الصيد؟
فذهب قوم إلى أنه لا يجوز أن يأكل منه شيئا، وبه قال الشافعي، وكذلك ما أوجبه على نفسه بالنذر، وقال ابن عمر: لا يأكل من جزاء الصيد والنذر، ويأكل مما سوى ذلك، وبه قال أحمد وإسحاق، وقال مالك: يأكل من هدي التمتع ومن كل هدي وجب عليه إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والمنذور، وعند أصحاب الرأي يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهما.
قوله عز وجل: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} يعني: الزمن الفقير الذي لا شيء له و{البائس} الذي اشتد بؤسه، والبؤس شدة الفقر.

.تفسير الآية رقم (29):

{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} التفث: الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظافر والشعث، تقول العرب لمن تستقذره: ما أتفثك: أي: ما أوسخك. والحاج أشعث أغبر، لم يحلق شعره ولم يقلم ظفره، فقضاء التفث: إزالة هذه الأشياء ليقضوا تفثهم، أي: ليزيلوا أدرانهم، والمراد منه الخروج عن الإحرام بالحلق، وقص الشارب، ونتف الإبط، والاستحداد، وقلم الأظفار، ولبس الثياب. قال ابن عمر وابن عباس: قضاء التفث: مناسك الحج كلها. وقال مجاهد: هو مناسك الحج، وأخذ الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقلم الأظفار. وقيل: التفث هاهنا رمي الجمار. قال الزجاج: لا نعرف التفث ومعناه إلا من القرآن.
قوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} قال مجاهد: أراد نذر الحج والهدي وما ينذر الإنسان من شيء يكون في الحج أي: ليتموها بقضائها. وقيل: المراد منه الوفاء بما نذر على ظاهره. وقيل: أراد به الخروج. عما وجب عليه نذر أو لم ينذر. والعرب تقول لكل من خرج عن الواجب عليه وفى بنذره. وقرأ عاصم برواية أبي بكر {وليوفوا} بنصب الواو وتشديد الفاء.
{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أراد به الطواف الواجب عليه وهو طواف الإفاضة يوم النحر بعد الرمي والحلق.
والطواف ثلاثة: طواف القدوم، وهو أن من قدم مكة يطوف بالبيت سبعا يرمل ثلاثا من الحجر الأسود إلى أن ينتهي إليه ويمشي إربعا، وهذا الطواف سنة لا شيء على من تركه.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا أحمد هو أبو عيسى، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي أنه سأل عروة بن الزبير فقال: قد حج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت ثم لم يكن عمرة، ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن عمرة، ثم عمر مثل ذلك، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت.
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم يسعى ثلاثة أطواف ويمشي أربعا، ثم يصلي سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة سبعا.
والطواف الثاني: هو طواف الإفاضة يوم النحر بعد الرمي والحلق، وهو واجب لا يحصل التحلل من الإحرام ما لم يأت به.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، أخبرنا الأعمش، أخبرنا إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: حاضت صفية ليلة النفر فقالت: ما أراني إلا حابستكم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عقري حلقي أطافت يوم النحر؟ قيل: نعم، قال: فانفري» فثبت بهذا أن من لم يطف يوم النحر طواف الإفاضة لا يجوز له أن ينفر.
والطواف الثالث: هو طواف الوداع لا رخصة فيه لمن أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر أن يفارقها حتى يطوف بالبيت سبعا، فمن تركه فعليه دم إلا المرأة الحائض يجوز لها ترك طواف الوداع.
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب، أخبرنا عبد العزيز أحمد الخلال، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان، عن سليمان الأحول، عن طاوس عن ابن عباس، قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت إلا أنه رخص للمرأة الحائض.
والرمل مختص بطواف القدوم، ولا رمل في طواف الإفاضة والوداع.
قوله: {بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} اختلفوا في معنى {العتيق}: قال ابن عباس، وابن الزبير ومجاهد وقتادة: سمي عتيقا لأن الله أعتقه من أيدي الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه، فلم يظهر عليه جبار قط. قال سفيان بن عيينة: سمي عتيقا لأنه لم يملك قط، وقال الحسن وابن زيد: سمي به لأنه قديم وهو أول بيت وضع للناس، يقال: دينار عتيق أي قديم، وقيل: سمي عتيقا لأن الله أعتقه من الغرق، فإنه رفع أيام الطوفان.

.تفسير الآية رقم (30):

{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)}
{ذَلِكَ} أي: الأمر ذلك، يعني ما ذكر من أعمال الحج، {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} أي معاصي الله وما نهى عنه، وتعظيمها ترك ملابستها. قال الليث: حرمات الله ما لا يحل انتهاكها. وقال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه، وذهب قوم إلى أن معنى الحرمات هاهنا: المناسك، بدلالة ما يتصل بها من الآيات. وقال ابن زيد: الحرمات هاهنا: البيت الحرام، والبلد الحرام والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والإحرام. {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} أي: تعظيم الحرمات، خير له عند الله في الآخرة.
قوله عز وجل: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ} أن تأكلوها إذا ذبحتموها وهي الإبل والبقر والغنم، {إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} تحريمه، وهو قوله في سورة المائدة: {حرمت عليكم الميتة والدم} [المائدة: 3]، الآية، {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ} أي: عبادتها، يقول: كونوا على جانب منها فإنها رجس، أي: سبب الرجس، وهو العذاب، والرجس: بمعنى الرجز. وقال الزجاج: {من} هاهنا للتجنيس أي: اجتنبوا الأوثان التي هي رجس، {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} يعني: الكذب والبهتان. وقال ابن مسعود: شهادة الزور، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فقال: «يا أيها الناس عدلت شهادة الزور بالشرك بالله»، ثم قرأ هذه الآية. وقيل: هو قول المشركين في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك.

.تفسير الآية رقم (31):

{حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)}
{حُنَفَاءَ لِلَّهِ} مخلصين له، {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} قال قتادة: كانوا في الشرك يحجون، ويحرمون البنات والأمهات والأخوات، وكانوا يسمون حنفاء، فنزلت: {حنفاء لله غير مشركين به} أي: حجاجا لله مسلمين موحدين، يعني: من أشرك لا يكون حنيفا.
{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ} أي: سقط، {مِنَ السَّمَاءِ} إلى الأرض، {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} أي: تستلبه الطير وتذهب به، والخطف والاختطاف: تناول الشيء بسرعة. وقرأ أهل المدينة: فتخطفه بفتح الخاء وتشديد الطاء، أي: يتخطفه، {أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ} أي: تميل وتذهب به، {فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} أي: بعيد، معناه: بعد من أشرك من الحق كبعد من سقط من السماء فذهبت به الطير، أو هوت به الريح، فلا يصل إليه بحال. وقيل: شبه حال المشرك بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع بحيث تسقطه الريح، فهو هالك لا محالة إما باستلاب الطير لحمه وإما بسقوطه إلى المكان السحيق، وقال الحسن: شبه أعمال الكفار بهذه الحال في أنها تذهب وتبطل فلا يقدرون على شيء منها.

.تفسير الآيات (32- 33):

{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}
{ذَلِكَ} يعني: الذي ذكرت من اجتناب الرجس وقول الزور، {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} قال ابن عباس {شعائر الله} البدن والهدي، وأصلها من الإشعار، وهو إعلامها ليعرف أنها هدي، وتعظيمها: استسمانها واستحسانها. وقيل {شعائر الله} أعلام دينه، {فإنها من تقوى القلوب}، أي: فإن تعظيمها من تقوى القلوب. {لَكُمْ فِيهَا} أي: في البدن قبل تسميتها للهدي، {مَنَافِعُ} في درها ونسلها وأصوافها وأوبارها وركوب ظهورها، {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وهو أن يسميها ويوجبها هديا، فإذا فعل ذلك لم يكن له شيء من منافعها، هذا قول مجاهد، وقول قتادة والضحاك، ورواه مقسم عن ابن عباس.
وقيل: معناه لكم في الهدايا منافع بعد إيجابها وتسميتها هديا بأن تركبوها وتشربوا ألبانها عند الحاجة {إلى أجل مسمى}، يعني: إلى أن تنحروها، وهو قول عطاء بن أبي رباح.
واختلف أهل العلم في ركوب الهدي.
فقال قوم: يجوز له ركوبها والحمل عليها غير مضر بها، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، لما أخبر أبو الحسن السرخسي، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال له: «اركبها»، فقال يا رسول الله إنها بدنة، فقال: «اركبها ويلك»، في الثانية أو الثالثة، وكذلك قال له: «اشرب لبنها بعدما فضل عن ري ولدها».
وقال أصحاب الرأي: لا يركبها.
وقال قوم: لا يركبها إلا أن يضطر إليه.
وقال بعضهم: أراد بالشعائر: المناسك ومشاهدة مكة. {لكم فيها منافع} بالتجارة والأسواق {إلى أجل مسمى} وهو الخروج من مكة.
وقيل: {لكم فيها منافع} بالأجر والثواب في قضاء المناسك. {إلى أجل مسمى}، أي: إلى انقضاء أيام الحج.
{ثُمَّ مَحِلُّهَا} أي: منحرها، {إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أي: منحرها عند البيت العتيق، يريد أرض الحرم كلها، كما قال: {فلا يقربوا المسجد الحرام} [التوبة: 28] أي: الحرم كله.
وروي عن جابر في قصة حجة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم».
ومن قال: الشعائر المناسك، قال: معنى قوله: {ثم محلها إلى البيت العتيق} أي: محل الناس من إحرامهم إلى البيت العتيق، أي: أن يطوفوا به طواف الزيادة يوم النحر.

.تفسير الآية رقم (34):

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)}
قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} أي: جماعة مؤمنة سلفت قبلكم، {جَعَلْنَا مَنْسَكًا} قرأ حمزة والكسائي بكسر السين هاهنا وفي آخر السورة، على معنى الاسم مثل المسجد والمطلع، أي: مذبحا وهو موضع القربان، وقرأ الآخرون بفتح السين على المصدر، مثل المدخل والمخرج، أي: إراقة الدماء وذبح القرابين، {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ} عند نحرها وذبحها، وسماها بهيمة لأنها لا تتكلم، وقال: {بهيمة الأنعام} وقيدها بالنعم، لأن من البهائم ما ليس من الأنعام كالخيل والبغال والحمير، لا يجوز دخلها في القرابين.
{فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي: سموا على الذبائح اسم الله وحده، فإن إلهكم إله واحد، {فَلَهُ أَسْلِمُوا} انقادوا وأطيعوا، {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} قال ابن عباس وقتادة: المتواضعين. وقال مجاهد: المطمئنين إلى الله عز وجل، والخبت المكان المطمئن من الأرض. وقال الأخفش: الخاشعين. وقال النخعي: المخلصين. وقال الكلبي: هم الرقيقة قلوبهم. وقال عمرو بن أوس: هم الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا.